أراء ومقالاتالموقع

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» ماضيًا وحاضرًا

يتّسع حجم الهوة بين الأجيال بشكل سريعٍ ومخيف.

كنّا قديمًا نرى الأجيال تلد بعضها وترث بعضها ويتناسخ بعضها،الأفكار ذاتها،والمعارف ذاتها والتوجهات ذاتها والثقافات ذاتها،إلا بعض الاختلافات التي تحتاج عقودًا كي تُحدث فارقًا حقيقيًّا بين جيل وجيل!

‏أما اليوم فإنّ الحياة في سباقٍ محمومٍ مع الزمن. الأجيال في سباقٍ سريعٍ مع من سبقها وأكاد أجزم أن التقنية الحديثة هي التي أشعلت السباق وجعلته محتدمًا بهذه الصورة وهذا النمط!

‏الأمر الذي أعدّه خطيرًا في ظلّ ما نشهده في هذه الثورة السريعة من جيل لجيل، والذي يرعبني حقًا هو أن تتنكّر الأجيال القادمة لأصلها وتنسلخ عن تراثها وهويّتها!

‏إن صراعات الإنسان الحديث اليوم قائمة على الانسلاخ من الهوية والاتباع الأعمى للمستعمر الحديث، الاتباع الذي لا يحكمه ضابط ولا يردعه دين.‏مسألة الأصالة والحداثة، والعلاقة بين التراث والحضارة والتطوّر هي مسألة قديمة من حيث طرحها الإشكاليّ، وهذا القديم المتجدّد ما زال يشهد احتدامًا وصراعًا بين الناس، وهو صراع قد يختلف منظوره من بيئة إلى أخرى ومن موضوع لآخر..

‏الأصالة والحداثة في الشعر العربي أخذت حيّزًا كبيرًا في النقد عبر التاريخ، حتى أنّ الحركة التوافقية كانت خجولة في ظلّ من تمسّك بكلاسيكية الشعر ومن دعا إلى الخروج عنه صوب إبداعات متجدّدة تتلاءم مع الزمن الحديث والمفاهيم الجديدة.‏والأصالة والحداثة في اللباس والثياب كذلك كان محطّ جدال بين مفهوم الالتزام المجتمعي ومفهوم الحرية في اللباس والمأكل، الأمر الذي أدّى إلى مفارقات كثيرة ضيّعت مفاهيم أساسية وجعلتها مطاطة وهُلامية!

‏أمّا عن العادات والتقاليد المجتمعية، فقد كانت هي محطّ الخلاف الأكبر،حيث ساهمت الثورة الصناعية وحركة التطوّر السريع في تغيير الكثير من العادات ورجم بعض التقاليد،ولا ننكر أن بعضها كان يجب تغييره،ولكن أغلبها يشكّل تاريخًا من التجربة والمعرفة والفطرة البكر والحسّ الإنسانيّ الأوّل..!

‏ولكننا نعود فنقف عند مقولة ذكرها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول فيها: “لا تربّوا أبناءكم كما ربّاكم آباؤكم، فقد خُلقوا لزمانٍ غير زمانِكم”..

‏أمام هذا نفهم أن على الجيل القديم أن يكون ذكيًّا في التعامل مع الجيل الجديد وأن يحتويه ويفهمه كي يستطيع أن يقي على القيم التي لا تتغيّر ولا تتبدّل مهما انقلبتْ الأيام.وأمام ما تشهده الدول العربية خاصة من هيمنة للعادات والمفاهيم والتقاليد الغربية بين أهلها …‏يمكن القول إنّ أهمّ ما يجب تعزيزه وتحفيزه في الشعب العربي عامّةً والإسلاميّ خاصّة هو مفهوم الانتماء إلى هويّة لغويّة عربية ومفاهيم إسلامية قرآنية ودينية ترتقي بالفكر وبالأسس التربوية وتُقيم الوزن للقاعدة الأسرية التي وحدها تستطيع تقليص هذه الهوة بين الأجيال!

اقرأ ايضا للكاتب:

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» لوعة الفقد

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الحنين إلى الأوطان

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» عن هوس الشهرة وسقوط الأخلاق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى