أراء ومقالاتالموقع

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» قتل الطموح .. بـ «جرة قلم»!

دق جرس الموبايل .. برقم مجهول .. وسارعتُ بالرد فورا لعل أذني تسمع خبرا سارا أتشوق إليه، وإذا بالطرف الآخر على الخط يبلغني بأن الدكتور رئيس الجامعة يطلب مقابلتي غدا في مكتبه .. وأنهيت المكالمة و”حلم المُعيد” يراودني وصرتُ على بعد خطوة من تحقيقه .. وفي اليوم التالي مكثت في مكتب رئيس الجامعة منذ ٩ صباحا وحتى الـ ١٢ ظهرا، والانتظار يفترس أعصابي وينهش تفكيري .. ثم خرج إلىّ مدير مكتبه بلهجة حادة آمرا :”أُكتب بسرعة طلب تعيين إداري في الجامعة!” .. فجاء ردى كالبرق :”يا فندم .. أنا أول القسم .. إزاى أتعين إداري؟!” .. وبنفس النبرة النحاسية والنظرة الميتة قال :”رئيس الجامعة بيقولك يا كدا .. يا بلاش” .. ولم أتردد :”يبقى بلاش .. وبكرامتى أفضل .. أنا مش باشحت” .. وغادرتُ المكان وعقلي في حيرة ودُوار من الأسئلة والكوابيس!.

ليس هذا موقفا سينمائيا أو مشهدا مسرحيا .. هي واقعة حقيقية وقصة مؤلمة بطلها ليس العبد لله، وإنما الطالب المتفوق عمرو نبيل أول دفعة ٢٠٢١ بقسم العلوم السياسية في كلية التجارة جامعة حلوان بتقدير امتياز .. ولمدة عام كامل يحارب من أجل حق التعيين في هيئة التدريس ليتدرج بحلمه الأكاديمي في كادر الباحثين ويحظى بمرتبة العلماء المرموقة .. وسرعان ما اصطدم “الفارس الصغير” باللوائح الروتينية وعوائق البيروقراطية وحاشية الموظفين المنتفعين، ليشاهد الطريق ممهدا ومفروشا أمام زملائه من “أبناء الدكاترة” ليغتصبوا فرصته ويتركوه طريدا في العراء .. وأصر عمرو الصامد على المطالبة بحقه المشروع رغم الرفض عدة مرات من جانب إدارة الجامعة تذرعا بحجج واهية ومبررات سخيفة، بينما بقية الأقسام تفتح أبواب التعيين لأوائل الدفعات وتحرمه من نفس المنحة!.

و”عمرو” ابن الأسرة الريفية الفقيرة التي يعترف ويتفاخر بالانتماء إليها بلا خجل أو مركب نقص، لا يفرط في طموحه، ولا يقبل المساومة أو قبول الفُتات مقابل الاستغناء عن مقعد “المعيد” الثمين، ليفوز به من لا يستحقه، ومن يتطلع إلى الجلوس عليه من بطاقة “إرضاء السلطة” والمجاملات الرخيصة .. ولا يكفى “عمرو” فحسب أنه من طبقة اجتماعية كادحة بالشرف والإخلاص في العمل وتحصيل العلم، بل إنه أيضا من ذوي الإعاقات الحركية، وتحدى إصابته وظروفها وقيودها ليسبق أقرانه ويتصدرهم بالنتائج والتقديرات المتميزة طوال ٤ سنوات متصلة .. وهذا وسام آخر أكثر نبلا وإجلالا يعزز من جدارته بأن يكون ضمن أساتذة المستقبل ويُلقن الأجيال القادمة دروسا في العلوم .. والحياة!.

“قادرون باختلاف” .. الشعار الأكثر انتشارا وشيوعا تحت مظلة النظام السياسي ورعاية الدولة، ويحظى ببريق الأضواء والشو الإعلامي، ويعلو التصفيق وتنهمر الدموع تأثرا بتفاصيله وأبطاله من مختلف الأعمار.. وخلف الستار، تقع مثل هذه المهازل في أروقة الحرم الجامعي المفترض فيه حماية الأحلام والحرص على آمال الشباب في مقتبل حياتهم .. وها هو واحد من ضمن آلاف تغلبوا على محنتهم وواجهوا مصيرهم بشجاعة وكبرياء وحفروا أسماءهم في سجل النبوغ والعبقرية .. وكانت المكافأة هي الاستبعاد والطرد مع سبق الإصرار والترصد، وليترحم الجميع على مبادئ وأهداف المبادرات النبيلة والكلمات الناعمة!.

– إن “قتل الطموح” بسكين بارد، يتساوى مع وأد الروح واغتصاب الأعراض.. وحينما يتجرد الإنسان من أبسط حقوقه ويفقد حلمه بـ “جرة قلم”، تسقط معه كل اللافتات الضخمة فوق الكباري .. وتتلاشى تماما صور المانشيتات والشاشات من الذاكرة .. ويضيع الإيمان بكل قيمة أو مبدأ .. ولن نرث سوى الجهل والتخلف .. والإرهاب!.

اقرأ ايضا للكاتب…

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» لهؤلاء .. يسجد بابا نويل!!

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» خطة كيوبيد .. الإله الإنسان في ثوبه المسرحي!

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» البرغوث رئيسا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى